طريق الحب
طريقنا هذا مبني على الحب
ليست حصاة نخطو عليها بعشوائية، ولا رملاً ينساب تحت أقدامٍ مرتعشة من الخوف أو التردد. بل هو دربٌ مشيّدٌ بحجر القلب النقيّ، وحجر الإخلاص الصادق، وحجر التفاني الخاضع، يجمع بين روح السالك وبين نور المحبوب — نورٌ لا يخبو، مهما تدنّت الليالي وتعكّر الدجى
في هذا الطريق، الحب ليس شِعوراً عابرًا، وإنّما أساس. ليس وهماً رقيقاً يُغني عن عمل أو يقنع بالكسل، بل نبضٌ حيّ في القلب، يدفع بالسير، ويقوّي على الشدائد. هو حبّ لله، لحقيقته، لمحبة الخلق من أجل الله، لحبّ ما أُمرنا به من حقّ على أن نعبد ربّنا حقّ عبادته
وعندما أسلك هذا الدرب، تصبح خطواتي دعاءً صامتاً، همسة استغفار، عبادة تسللت بصمت إلى صدري. الحب يطهّر النفوس من خبث الأهواء، فيُغسل القلب من كل تعلق باطل. الحب يحرّر الإنسان من رق الخوف، ليبقى قلبه متوكِّلاً على ربه، خاشعاً، راضياً، راضياً بقضاء الله وقدره
إنّ من سار على طريق الحب لا يرى الشقاء فشلاً، ولا الكفاح وقوداً للسخط. يرى في كل تعب درسًا، وفي كل دمعة سهمًا من سهم الصدق، يقذف في قلبه إيماناً ينمو. يرى في الليل ظلمة مقبّلة على فجر جديد، وفي الليل الطويل دعاء يرفعه مأنوس القلب
الحب لا يضعف حين يعصف الزمن، بل ينحت في النفس معدن الصبر. حين تموج أمواج الغربة — سواء غربة الروح أو غربة المحبة في مجتمع لا يفقه — يبقى الحب منارة يهتدي بها العاشق إلى ميناء الأمان
وفي طريقي هذا، لا أنظر إلى المظهر الخارجي — لا أبالي بغربة أو نظرة جارحة — إنما أنظر إلى القلب: هل هو صادق؟ هل ارتوى من نبع الحب المقدس؟ هل لا زال يتوق إلى الفجر رغم ظلمة الليل؟
الحب يعلّمني أن أدرس الناس بعين الرحمة، لا بعين الحُكم، أن أفتح صدري للضعيف، أن أحمل حقّ المظلوم ولو كان كفه الضعيف يدعو، أن ألاقي الناس بلينٍ، بصدقٍ، بصفاء. لأن الطريق، حين يُبنى على الحب، يصبح مدرسة أخلاق، لا ميدان نزاع
وإذا لقيت في هذا الطريق مَن يُربّي قلبي على الحب: حبّ الله، حبّ الخير، حبّ الناس — فذاك هو الأمان. مع من سار على الحب، لا خيانة، لا ظلم، لا جفاء، بل صدق الصحبة، صفاء الوجدان، استسلام لله
إنّ «طريق الحب» ليس منفذاً للهروب من الواقع، بل جسراً نحو عمق الحياة. ليس ملجأً من الدنيا، بل مدرسة للروح في دنيا قاسية، حيث تذوق الطّهر، وتُمسك اليد التي تمتد للمحتاج، وتُهدّئ النفس التي تنفطر
وفي طريقي هذا، لا أنسى أن الحب بداية. هو بذرة زرعتها في قلبي، أرويها بإخلاص، وأغذيها بالصلاة والدعاء والعمل على طاعة الخالق. وأعلم أن تلك البذرة حين تنمو، لن يؤذيها عصف حزن، ولا تقنّط يأس، بل تصير شجرة واسعة الظلال، يلتقي تحتها العابر والمحتاج، ويتظلّل بها وديع القلب
يا من تقرأ هذه الكلمات: هل أنت مستعدّ لأن تطأ أولى خطواتك على طريق الحب؟ أن تنسل من ضيق الذات إلى سعة العطاء، من قسوة القلب إلى رقة الرحمة، من خشية العدم إلى ذروة اليقين
طريقنا هذا، وإن بدا طويلاً، وإن شابته عتبات من صمت، فإنه ليس إلا مدخلًا إلى حضرة الحقّ. دعوة من القلب إلى القلب، أن نسير في ضوء الحب، لا نهاب الليل ولا تعب الرحلة، لأن قلوبنا ملكّها الحب، وهي غنيّة بصحبته